مقدمة
منذ اندلاع النزاع المسلح في سوريا عام 2011، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي سلسلة من العقوبات الاقتصادية الهادفة إلى الضغط على النظام السوري لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد مثّل “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” أحد أبرز أطر العقوبات الأمريكية، فيما اعتمد الاتحاد الأوروبي قرارات متعددة تقيد التبادل التجاري، وتحظر السفر، وتجمّد الأصول. تهدف هذه الدراسة إلى تقييم هذه العقوبات من منظور قانوني وحقوقي، من خلال تحليل مشروعيتها وشرعيتها، وانعكاساتها على واقع المدنيين السوريين
أولاً: الإطار القانوني للعقوبات الدولية
وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يملك مجلس الأمن سلطة فرض تدابير قسرية غير عسكرية لمعالجة تهديدات السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية. وتجيز المادة 41 من الميثاق:
“لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة، لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير” – ميثاق الأمم المتحدة، المادة 41.
أما العقوبات الأحادية – مثل العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على سوريا – فتُطرح بشأن مشروعيتها القانونية إشكاليات متعددة، إذ لا تصدر عن مجلس الأمن بل عن إرادة دول منفردة أو تكتلات إقليمية

ثانيًا: العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على سوريا
قانون قيصر الأمريكي (Caesar Syria Civilian Protection Act) دخل حيز التنفيذ في 17 يونيو 2020، ويفرض عقوبات على: كل من يقدّم دعماً مالياً أو لوجستيًا أو تقنيًا للحكومة السورية. الكيانات المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار التي تديرها الحكومة. الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. وقد استند القانون إلى تقرير مصور من منشق سوري يُعرف باسم “قيصر”، وثّق فيه مقتل آلاف المعتقلين تحت التعذيب. العقوبات الأوروبية تشمل: حظر استيراد النفط من سوريا. قيود على الاستثمار. تجميد أصول المصرف المركزي السوري داخل الاتحاد الأوروبي. حظر تصدير معدات وتقنيات قد تُستخدم للقمع. وقد تم تجديد هذه العقوبات باستمرار، وتوسيع قائمة الأفراد والكيانات المستهدفة
ثالثًا: التقييم الحقوقي للعقوبات وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان
رغم أهداف العقوبات المعلنة في حماية حقوق الإنسان، فإن أثرها الإنساني على المدنيين السوريين يثير جدلاً واسعًا. وقد نبّهت تقارير أممية وحقوقية إلى أن العقوبات، لا سيما حين تُفرض بشكل واسع أو غير دقيق الاستهداف، قد تنتهك الحقوق الأساسية للسكان، كحقهم في الغذاء، والصحة، والتعليم، والعمل.
وقد صرّح المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالعقوبات الأحادية:
“أنظمة العقوبات التي تضر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمدنيين تنتهك الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان” – UNHRC A/HRC/39/54.
وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن:
“حقوق السوريين في الحياة والصحة والغذاء وغيرها من عناصر الحق في مستوى معيشي لائق قد تكون معرضة للخطر، خاصة بالنسبة لأولئك الذين هم بالفعل عرضة للخطر أو مهمشون” – HRW، 2023
رابعًا: إشكالية المشروعية مقابل الشرعية
تكمن الإشكالية الأساسية في أن العقوبات الأمريكية والأوروبية، رغم مشروعيتها السياسية والأخلاقية، لا تحظى بشرعية قانونية دولية كاملة، كونها لم تصدر بموجب قرار من مجلس الأمن. كما أن أثرها على السكان المدنيين قد يخرق مبدأ التناسب ويُحمّل الفئات الضعيفة أعباءً غير مبررة.
خاتمة
إن العقوبات الاقتصادية على سوريا، ولا سيما “قانون قيصر”، تمثل نموذجًا معقدًا لتقاطع القانون الدولي وحقوق الإنسان والمصالح السياسية. وبالرغم من أن هدفها المعلن هو حماية المدنيين، إلا أن تطبيقها بصيغتها الواسعة يثير مخاوف جدّية بشأن الأثر السلبي على الحقوق الأساسية للسكان.
تحديث قائمة الأشخاص و الكيانات التي تم رفع العقوبات عنهم لغاية تاريخ ٢٠٢٥-٠٩-٢٥

